لماذا التنوير الرقمي؟
يرتبط التنوير الرقمي بالحق في المعرفة التي تُشكل أساس الوعي بالاستخدام والإنتاج والتفكير الرقمي، من أجل ثقافة رقمية تخدم الإنسان، وتُساعده على جودة الحياة والتفكير، وتُسهم في صياغة مفاهيم جديدة تستجيب لمنطق التحول المجتمعي، وتقترح تصورات في تدبير المجتمع والسياسة والاقتصاد، من أجل انخراط منطقي وإنساني في العصر الرقمي.
إذا كانت الثورة الرقمية ابتكارا إنسانيا، تعبر عن بلوغ العقل البشري إلى درجة قصوى من الإبداع والابتكار، فإن مُرافقة هذه الثورة وخدماتها بالتفكير التنويري يُنتج التوازن المطلوب بين منجز العقل وتحدياته لإنسانية الإنسان.
يتم التفكير في الحق في التنوير الرقمي من خلال الحقل المعرفي والعلمي الجديد” الإنسانيات الرقمية”، الذي يُجدد التفكير في العلوم الإنسانية باعتماد العامل الرقمي في التفكير في الظواهر والتحولات.
إن استحضار العامل الرقمي في رؤية العلوم الإنسانية أدى إلى ضرورة تطوير رؤية التفكير ومناهجها، وذلك بدخول عوامل جديدة تُحدد مجالات الإنسان، خاصة المجال الافتراضي، وتغير نمط حياة الإنسان ، وسلوكه النفسي، و تأثر لغاته بالمنطق الرقمي. ولذلك، فإن الإنسان مع الثورة الرقمية يعرف تبدلات في محيطه الاجتماعي و حياته النفسية واللغوية، مما يستدعي الانتقال إلى علوم إنسانية قادرة على مواكبة موضوعها/ الإنسان وهو يتغير بتغير وسائط العصر.
تشكل إذن، الإنسانيات الرقمية الحقل المعرفي والعلمي المهتم بدراسة الإنسان في العصر الرقمي، وتحليل وضعياته السوسيولوجية والأنتروبولوجية والنفسية والتاريخية والافتراضية، كما تعد حقلا تنويريا، يُنتج خطابات الوعي الإدراكي بما يحدث من أجل انخراط آمن وعلمي وثقافي في عصر الثورة الرقمية. وبالتالي، فإن كل تفكير في أي مجال كان، إذا لم يستحضر المكون الرقمي في عملية التحليل والتأمل والتأويل، سيكون تفكيرا متجاوزا لطبيعة حضور الإنسان ومجالات محيطه في العصر.