تعتبر الإنسانيات والرقميات حقلا معرفيا جديدا،؛ لأنه استمرار بصيغة التطور، لكن الجديد فيه يتمثل في نوعية العلاقة التي تحدث اليوم بين العلوم الإنسانية التي تأسست مع عصر النهضة للبحث في الإنسان وتاريخه ومجتمعه ونفسيته ولغته وبين الرقميات باعتبارها آخر تطورات التقنية التي تحدث ثورة جوهرية في العمل والإدارة والاقتصاد والسياسة والابتكار والتنمية، كما أنها علاقة تجدد التفكير في الإنسان ، و في مناهج العلوم الإنسانية ، وتضيف حقولا معرفية أخرى ..
يشرح الكتاب حقل “الإنسانيات والرقميات”، وإلى حد يستطيع هذا الحقل المعرفي أن يجعلنا ننتج وعيا بموقعنا الجديد والمختلف في القرن الحادي والعشرين.
تتحدد العلاقة بين الإنسانيات والرقميات باعتبارها علاقة تفاعلية خدماتية وظيفية للحقلين معا. لا نقصد بهذه العلاقة خدمة العلوم الإنسانية للرقميات، وتأثير الرقميات في العلوم الإنسانية فقط، وهذا فعلٌ قائمٌ لا شك في ذلك، بحكم منطق العلاقة بين الحقلين، إنما التفكير في العلاقة هو التفكير في التحولات التي يعرفها الإنسان والمجتمع بحكم عامل التكنولوجيا من جهة، واشتغال العلوم الإنسانية على موضوعٍ(الإنسان/المجتمع) وقد تغير موقعه ومفهومه وتفكيره. وهو أمرٌ يتعلق بالدرجة الأولى بتجديد الرؤية الفلسفية، من أجل تحليل تأثيرات التكنولوجيا على الإنسان.
كما لا تتحقق هذه العلاقة إلا بتغيير العلوم الإنسانية لمناهجها ورؤيتها للإنسان والمجتمع والتاريخ. إن التفكير في الإنسانيات والرقميات هو تفكير في مسار التحول الذي تعرفه العلوم الإنسانية وهي تفكر في الإنسان وقد تغير وضعه وبيئته وتفكيره بفعل الفاعل التكنولوجي.
إن التكنولوجيا ليست مجرد تقنية أو أداة، إنما هي تصور ورؤية. فاستخدام الإنسان لأدواتها ووسائطها، يفعل في تغيير الإنسان ومجتمعه وحياته، ويؤثر في ماضيه وحاضره، ويفعل في مستقبله. ولعل واقع تأثير التكنولوجيا في حياة الأفراد ومجتمعاتهم قد لا يُعد جديدا، بحكم انشغال فلاسفة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على دور التقنية في تغيير المجتمع، غير أن الجديد في التكنولوجيا الرقمية أنها تتميز بميزتين اثنتين على الأٌقل، تجعلها أكثر تحديا للتغير الاجتماعي، والتحول التاريخي، وهما: سيولة التدفق المعلوماتي، والسرعة الفائقة.
تحدد عملية الانتقال المعرفي الجديد ضمن النسق الرقمي مجموعة من المفاهيم الجديدة، التي تُشكل منظومة مفاهيم التحولات سواء في تجليات الرقمي على الإنسان والمجتمع والاقتصاد والسياسة، أو في مناهج تحليل هذه التجليات الرقمية مثل: المعلومة، والتدفق المعلوماتي، والذكاء الاصطناعي، والافتراضي، والبيئة الافتراضية، والوجود الشبكي، والتفاعل، والتقاسم، وبرونيتاريا، وانتوغرافيا وغير ذلك من علبة مفاهيم النسق الرقمي.
لهذا يطرح الكتاب الأسئلة التالية حول وضعية مفاهيم مكتسبات الثورة الصناعية وعصر الأنوار، الذي أعاد الثقة إلى عقل الإنسان وفكره:
– ما هو وضع الإنسان وحقوقه ووضع الديمقراطية بعد كورونا؟
– هل سنصل مع الثورة الرقمية الخامسة (الروبو، أنترنت الأشياء) إلى تشييء الإنسان بطريقة جديدة، مثلما حدث مع الثورة الصناعية؟
– هل ازدهار العلم/التكنولوجيا ووصوله إلى قمة الابتكار والإبداع مرهون بإخراج الإنسان من إنسانيته؟
– وهل يمكن الحديث عن أخلاقيات التكنولوجيا؟